في الذكرى الأربعين

عن الثورة الإيرانية في الذكرى الأربعين

  • عن الثورة الإيرانية في الذكرى الأربعين
  • عن الثورة الإيرانية في الذكرى الأربعين
  • عن الثورة الإيرانية في الذكرى الأربعين
  • عن الثورة الإيرانية في الذكرى الأربعين

اخرى قبل 5 سنة

عن الثورة الإيرانية في الذكرى الأربعين
عوض عبد الفتاح
عندما أُذيع الخبر، كدنا نطير من الفرح. أذكر أنني قفزت إلى أعلى، وكاد رأسي يصطدم في سقف الغرفة المنخفض، في سكن طلبة الجامعة. كنّا أربعة شباب، طلابا في السنة الثالثة، نصغي معًا لجهاز الراديو، منتظرين اللحظة الحاسمة لثورة خطفت عقولنا وقلوبنا، على مدار أكثر من عامين. في تلك الأيام، لم تكن فضائيات، ولا وسائل تواصل إلكترونية كما هو الحال اليوم، ولكن الصور القليلة للمظاهرات العارمة في مواجهة نظام الشاه، التي كنّا نتمكن من مشاهدتها مرة في اليوم على شاشة تلفزيون نادي مساكن الطلبة، بالأسود والأبيض، كانت كافية لتشعل وتؤجج عواطفنا، وحماسنا. كان الراديو، الوسيلة الرئيسيّة، التي تربطنا بتطورات الحدث، أما بخصوص التحليلات العميقة لما يحدث، فقد كان مصدرها بعض المجلات، المحلية والعربية النادرة، التي كنّا نحصل عليها، من مدينة القدس. كنا ندرك أن سقوط النظام ونجاح الثورة، هو خدمة للقضية الفلسطينية، وسند للنضال الفلسطيني التحرري.  
هذه العواطف والمشاعر، والتفاعل مع الثورة الإيرانية المنتصرة في الحادي عشر من شباط/ فبراير 1979، كانت عامة بين شعوب الأمة العربية، وقواها القومية واليساري بلا استثناء. لا أحد كان يتحدث عن ثورة شيعية، فهذه الثنائية المدمرة، سني - شيعي، لم تكن موجودة في وجدان عامة الناس. كانت ثورة وطنية اجتماعية ثقافية تحررية، من نظام استبدادي وظالم، ووكيل للإمبريالية الأميركية، يلعب دور شرطي الخليج خدمة للصهيونية وللإمبريالية. كان مذهلا أن ترى رجال الدين مع عمائمهم، ومعهم اليساريون والشيوعيون والليبراليون، في مقدمة المظاهرات والمواجهات الدموية الجسورة مع نظام الشاه، لا يثنيهم عن التقدم، سقوط الشهداء والجرحى على يد قوات نظام الطاغية، الشاه محمد رضا بهلوي.
كان أول زعيم أجنبي تستقبله الثورة الإيرانية، ياسر عرفات، قائد الثورة الفلسطينية، بعد أيام فقط من الانتصار. وجرى إغلاق السفارة الإسرائيلية وتحويلها إلى سفارة فلسطينية، مما أكد للجميع وجهة الثورة بخصوص قضية فلسطين.  لقد كان ذلك، تجسيدا لموقف الثورة الأيديولوجي من القضية الفلسطينية، ورد معروف أو واجبا، قدمته الثورة الفلسطينية، على شكل تدريبات عسكرية لأفراد عديدين من فصائل الثورة الإيرانية، منذ أواخر الستينات، في عمان، ومن ثم في لبنان، بعد مذابح أيلول الأسود. 
وبأثر رجعي، اعتقد أننا، أو معظمنا نحن الفلسطينيين، آنذاك، كنّا أقل إدراكا بمصلحة الشعب الإيراني، باعتباره صاحب المصلحة المباشرة في هذا التغيير الثوري. أي أنّ الدافع الأساس لعموم الشعب الإيراني وراء ثورته، هو الرغبة في التحرر من الاستبداد والفقر والتفاوت الطبقي، ومن الخوف، وإن كانت مسألة القدس كامنة في نفوس الناس، كجزء من التربية الإسلامية. هذه الثورة أثارت الرعب في أروقة وعروش الأنظمة العربية، خصوصًا الخليجية، المحمية أميركيا. ففكرة التحرر من الحماية الأميركية كانت تخيف هذه الأنظمة، وفاقم هذا الخوف، التهور الذي أطلقته بعض قيادات الثورة الإيرانية ضد هذه الأنظمة، مباشرة بعد الانتصار، وقبل أن تستقر الأمور، بأنها ستنشر الثورة الإسلامية في دول الجوار. أما النظام العراقي، بقيادة حزب البعث القومي، فقد شعر بالخطر الشديد جراء هذه التصريحات، خصوصًا وأن نحو 60 في المئة من الشعب العراقي هم من العرب الشيعة، أي أن دافع خوف الأنظمة الخليجية كان مذهبيا، في حين كان دافع خوف القيادة البعثية، قوميا، أي الخوف من العودة إلى الصراع العربي - الفارسي القديم. 
الثورة تأكل رجالها
رغم أنه لم يكن حركة إسلامية منظمة عشية الثورة الإيرانية، كما كان الحال في بعض الأقطار العربية، تحولت الثورة إلى إسلامية، وأمسكت القيادة الدينية بتلابيب البلد والنظام الجديد الذي همش اليسار، بل محاه من المشهد تقريبا بعد أقل من أربع سنوات. وبعد أقل من عام، بدأنا نسمع عن ممارسات قمعية تستهدف كل معارضي النظام الإسلامي الثوري الجديد، حتى المعارضين بتوجهات إسلامية مختلفة. وكان نصيب الحزب الشيوعي، "توده"، الذي كان شريكا في الثورة وأهم المنظمات الاشتراكية، من القمع بالغا. وفي عام 1984، تعرض آلاف القادة والأعضاء إلى الإعدامات والاغتيال والاعتقال، إذ اعتبروا عملاء للاتحاد السوفييتي. ووصفت هذه الحملة بعملية إبادة. كما طالت الملاحقة حركة مجاهدي خلق وفدائيي خلق، وهما منظمتان يمكن تصنيفهما باليسار الإسلامي، لاعتمادهما التحليل الماركسي إلى جانب الإسلام كمرجعية فكرية. وقد كان المفكر والمناضل الإيراني علي شريعتي، والذي يوصف بأنه ملهم الثورة الإسلامية الإيرانية، قد انتمى إلى منظمة مجاهدي خلق (الماركسية الإسلامية)، وإن اختلف لاحقا مع بعض توجهاتها، حتى اغتياله عام 1977 من قبل مخابرات نظام الشاه، أي أنه لم يشهد الثورة. وقد جذبت مؤلفاته، عن العدل والفكر الثوري في الإسلام من خلال التحليل الماركسي، عشرات آلاف الشباب، خصوصًا طلاب الجامعات آنذاك.
لقد جاءت الصدمة الكبرى عام 1981، عند نشوب حرب جهنمية، بين إيران الثورة وعراق البعث، أزهقت أرواح مليون عراقي وإيراني، ناهيك عن الخراب والدمار المادي والمعنوي، على مدار 8 سنوات. ويتحمل المسؤولية عنها، وخاصة استمرارها لهذه المدة الطويلة النظامان العراقي والإيراني. كانت تلك الحرب خدمة خالصة لأعداء إيران والأمة العربية. في هذه الحرب، وقفت الأنظمة العربية إلى جانب العراق، باستثناء النظام السوري الذي وقف إلى جانب إيران. وكان صادما أن ينضم النظام السوري عام 1991، إلى حرب الإمبريالية الأميركية ضد العراق في أعقاب مغامرة صدام حسين في الكويت، مع تواطؤ إيران مع هذه الحرب العدوانية، التي كانت تتتوق للتخلص من نظام صدام حسين بأي ثمن. كما ظهر هذا التواطؤ والتعاون أيضا، وبدعم من أنظمة عربية خليجية، في الغزو الأميركي الثاني لهذا البلد العربي عام 2003، بحجة وجود أسلحة غير تقليدية ونووية.
هكذا جرى تحطيم العراق من خلال عدوان أميركي وحشي، أحد أهم مرتكزات معادلة القوة ضد إسرائيل، وباعتباره أحد أهم البلدان العربية، حضارة واقتصادا وثقافة. وبعد هذا العدوان، بات باب هذا البلد العربي مشرعًا للتدخل الإيراني، وليتم تقاسم السيطرة مع المحتل الأميركي، وليجري تنصيب نظام طائفي بغيض، على أنقاض النظام العلماني غير الطائفي، الدكتاتوري.
وكانت المفاجئة الجديدة، هو وقوف إيران الثورة، ثورة المستضعفين، ضد ثورة الشعب السوري، وقبل أن تتسلح وتخطفها المنظمات الدينية الفاشية. وأمل الكثيرون أن تكون إيران وسيطا بين النظام والشعب، باعتبار أن العلاقة التاريخية ليست محصورة في النظام، بل مع الشعب السوري بكافة أطيافه، الذي رأى بإيران الثورة حليفا ضد إسرائيل. لقد أدى هذا التدخل، وسياسات أخرى في العراق، إلى تعميق الشرخ المذهبي بصورة غير مسبوقة، وسهلت على الأعداء، الإمبرياليين والصهاينة، مهمتهم سواء ضد إيران أو ضد سورية، وضد الشعب الفلسطيني.
إنجازات لافتة
رغم الحرب التدميرية التي طالت 8 سنوات، وبفضل العدوان الأميركي على العراق، تمكنت القيادة الإيرانية من تطوير قوة إستراتيجية تفوق قوة أي دولة عربية، وكرست استقلالها الوطني، وهو ما فشلت به جميع الأنظمة العربية. كما طورت الثورة الإيرانية لاحقا، ديمقراطية تحمل سمات التنافس الحقيقي بين المرشحين للرئاسة، ولكنها ديمقراطية تجري في إطار أيديولوجي واحد، الإطار الديني، ولكن تحوّل إيران إلى قوة إقليمية يحسب لها حساب، واعتماد النظام الديمقراطي (ثيوقراطية، ديمقراطية رجال الدين) لم يترافق مع سد الفجوات الاقتصادية التي اتسعت في العقد الأخير، فشهدت سلسلة احتجاجات شعبية واسعة منذ عام 2008، قوبلت بالقمع والتضييق على الحريات. وكالعادة، لا تترك الإمبريالية الأميركية فرصة إلا وتنتهزها لتقويض الدول التي لا تسير في فلكها، فجددت محاولات التضييق على إيران، اقتصاديا وسياسيا، لأغراض تتعلق بأمن إسرائيل وبالنفط. وهي ما زالت تخضع حتى اليوم لحظر اقتصادي من قبل الولايات المتحدة، شدده الرئيس اليميني الشعبوي، دونالد ترامب.

التعليقات على خبر: عن الثورة الإيرانية في الذكرى الأربعين

حمل التطبيق الأن